مقالة أغسطس 2014م: جرح الأهمال والتهميش
هو أو هي محور اهتمام الجميع لسنين عديدة، فهو الآب والراعي والقائد، وهي الأم والحاضنة للجميع. وهو المؤسس والمعلم والمرشد، وهي المشجعة والمدعمة والحانية.
وتدور الأيام ليتفاجأ هو أن دفة أهتمام الجميع اتجهت إلى آخر.... إلى شخص أكثر شبابًا وحماسًا.... شخصًا مقربًا من الجيل الجديد يفهمهم ويتكلم بلغتهم وله طاقة أن يجري بسرعتهم، وهي تتفاجأ بأن الولاء أصبح لغيرها لا لها...الولاء لشخصية جديدة تناسب الصغار وتعرف أفكارهم وتمرح لمرحهم وتتجاوب مع شقاوتهم. فيبدأ هو وهي بالشعور بجرح عميق من كل من أحبوهم وبذلوا حياتهم لإجلهم على مر السنين، جرح التهميش والأهمال والنسيان، جرح الولاء لشخص آخر.
ما أبشع هذا الشعور، الشعور بالجرح بسبب الأهمال والتهميش.... وكأن الإنسان حياته أخذة في الأفول وكأن دوره أنتهى على الأرض. ما أبشع الموت النفسي قبل الجسدي.
والتهميش ليس فقط أقتصاديًا أو اجتماعيًا لكن أيضًا نفسيًا وشخصيًا وهو الأصعب لأن الإنسان يشعر أن دوره في الحياة أنتهى وأن وجوده على الأرض بلا معنى فيصاب الشخص بالأكتئاب والتقوقع حول ذاته والنزيف الداخلي لطاقة الإنسان الإبداعية اللازمة لوجوده.
لذلك أقول للأجيال الصغيرة أنتبهوا للكبار الذين أسسوا وبنوا، والذين تعبوا ومهدوا الطريق لتقفوا أنتم على أكتافهم لتصلوا إلى مواقعكم. هؤلاء يحتاجون أن تُظهروا لهم التقدير، وتشجعونهم بأن يكون لهم دور في حياتكم بطريقة تناسب سنهم وطاقتهم. فمن المهم أن تكتشفوا كيف تستفيدون من هذه الأجيال الكبيرة والموجودة بينكم بما لها من خبرة طويلة ودراية عميقة بأمور الحياة.
وأنتبهوا أنكم قريبًا ستمرون بنفس التجربة عندما تسلمون الراية للأجيال اللاحقة لكم، فيجب أن نكون قدوة لمن بعدنا عندما يرى كيف نُقدر ونستفاد بمن قبلنا.
وهذه أيضًا دعوة للكنائس أن تُظهر تقديرها لمن هم في ربيع العمر (كبار السن) وتخطط لكيفية أستثمارهم داخل الكنيسة واحتوائهم ليظلوا مستعدين للعطاء وليستمروا أحياء بالمعنى النفسي. والكتاب يعطي صورة رائعة لدور المشايخ في القيادة لشعب الله عند احتاجهم للمشورة كما نرى في سفر أعمال الرسل، وأيضا دور للعجائز في نصح الصغيرات كما يوصيهم بولس. وفي النهاية يعلمنا الكتاب كيف نسلك نحوهم حينما يقول: "لاَ تَزْجُرْ شَيْخًا بَلْ عِظْهُ كَأَبٍ........، وَالْعَجَائِزَ كَأُمَّهَاتٍ، ........" (1تي 5: 1، 2)
فهل: نقول لأني كنت مهمش فتذكرتموني واشعرتموني بأني ما زلت حيًا منتجًا ومهمًا لكم.
أما الإنسان الذي يشعر بجرح التهميش والأهمال فأقول له أن كل فترة في الحياة وكل مرحلة في العمر هي فرصة للإبداع ولكن بصورة مختلفة تتناسب مع المرحلة وطاقة الإنسان فيها، فإذا أكتشف الإنسان دورًا مناسبًا مع مرحلة عمره يقوم به فسيشعر بقيمة حياته وسيشعر وكأنه ما زال محورًا للعالم الذي حوله. فلا تحاول أن تقوم بدور لا يتناسب مع طاقتك أو تحاول أن تسجن الصغار في قبضتك لتشعر بقيمتك أو تمنع الجيل الجديد من ارتقاء منصة القيادة، بل أفرح بنجاح الصغار وتقدمهم الصفوف لأنه دليل نجاحك، فاستمتع بهذا الثمر وابدأ من جديد بما يتناسب مع مرحلتك.