جرح غياب الأبطال
في هذا الأسبوع فقدت الكنيسة في الشرق الأوسط بعض من القادة العظام في المجال الكنسي من مصر ولبنان، من الإنجيليين والأرثوذكس، فقد فقدنا الدكتور القس غسان خلف عالم اللاهوت المعمداني واستاذ مخطوطات العهد الجديد واللغة اليونانية، كما فقدت الكنيسة القبطية الانبا ابيفانيوس والدكتور موريس تواضروس.
وأنا شخصيًا لم أكن على تواصل إلا مع البروفيسور غسان من خلال خدمته في بعض كنائسنا في مصر وتدريسه بالكلية وزيارته لاسرتي وكتابته لمقدمة أحد كتبي، مما جعل خبر أنتقاله شيء محزن لي بل جرح على المستوى الشخصي خاصة وأن بصماته في حياتي عميقة من خلال تشجيعه لي ونصائحه الغالية، فهو لم يكن خسارة للكنيسة في الشرق الأوسط فقط بل لي أنا شخصيًا. فهذا الشخص كان قيمة وقامة عظيمة في كنيسة المسيح في الشرق ألوسط.
ففقدان هؤلاء الرجال الثلاثة ترك جُرح في الكثيرين لأن الشعور بخسارة الأبطال والقامات والقدوة شئء مؤلم خاصة في زمن قل فيه وندٌر مثل هؤلاء الرجال الذين قدموا حياتهم لمجد الله وخدمة الكنيسة. هذا الأمر ذكرني بجرح شعب إسرائيل بعد فقدانهم للقائد العظيم موسى، وتكرار هذا الجرح أيضًا بعد فقدانهم لقادة آخرين مثل إيليا. يا له من جرح كبير جرح خسارة الأبطال والقادة.
ولكن من الأمور الُمشجعة التي ذكرها الوحي المقدس أن المسيرة لم تتوقف يومًا بفقدان أحد الأبطال فالرب أقام يشوع بدلاً من موسى وهوشع بدلاً من إيليا، فبانتهاء دور أحد الأبطال يبدأ دور بطل أخر ليستمر عمل الله بلا توقف.
فعن حلول يشوع محل موسى، يقول الكتاب:
"مَاتَ هُنَاكَ مُوسَى عَبْدُ الرَّبِّ فِي أَرْضِ مُوآبَ حَسَبَ قَوْلِ الرَّب وَدَفَنَهُ فِي الْجِوَاءِ فِي أَرْضِ مُوآبَ، مُقَابِلَ بَيْتِ فَغُورَ. وَلَمْ يَعْرِفْ إِنْسَانٌ قَبْرَهُ إِلَى هذَا الْيَوْمِ. وَكَانَ مُوسَى ابْنَ مِئَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَاتَ، وَلَمْ تَكِلَّ عَيْنُهُ وَلاَ ذَهَبَتْ نَضَارَتُهُ. فَبَكَى بَنُو إِسْرَائِيلَ مُوسَى فِي عَرَبَاتِ مُوآبَ ثَلاَثِينَ يَوْمًا. فَكَمُلَتْ أَيَّامُ بُكَاءِ مَنَاحَةِ مُوسَى. وَيَشُوعُ بْنُ نُونٍ كَانَ قَدِ امْتَلأَ رُوحَ حِكْمَةٍ، إِذْ وَضَعَ مُوسَى عَلَيْهِ يَدَيْهِ، فَسَمِعَ لَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ "
وَعَمِلُوا كَمَا أَوْصَى الرَّبُّ مُوسَى." (تثنية 34: 5 – 9)
وعن استمرارية خدمة ايليا على يد اليشع، يقول الكتاب:
"وَلَمَّا رَآهُ بَنُو الأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ فِي أَرِيحَا قُبَالَتَهُ قَالُوا: «قَدِ اسْتَقَرَّتْ رُوحُ إِيلِيَّا عَلَى أَلِيشَعَ». فَجَاءُوا لِلِقَائِهِ وَسَجَدُوا لَهُ إِلَى الأَرْضِ." (ملوك الثاني 2: 15)
فلا مكان للجرح أو الحزن لأن العمل سيستمر، ومصنع صناعة الأبطال الروحيين لعمل الرب وبناء كنيسته لم يتوقف يومًا، طالما رأس الكنيسة موجود، وطالما الكنيسة على الأرض.
لكن هناك سؤال هام: هل عندما تنتهي حياتي سيشعر الآخرون بجرح فقدان شخص كان له أثر في حياتهم أو دور في مسيرتهم. وهل الكنيسة أيضًا ستشعر بهذا الجرح، أم لا؟ أتمنى أننا جميعًا نُجيب على هذا السؤال.