جرح مرور العمر
في هذا الشهر أكملت من عمري السنة الواحدة والخمسون. وعندما أنظر للوراء أجد رحلة حياتي خلفي طويلة على هذه الأرض ولكنني سعيد بها بحلوها ومُرها. وعندما يعرف من حولي أني أحتفل بعيد ميلادي وبعد تقديمهم التهاني والتمنيات أجدهم يتذكرون عمرهم وسني حياتهم، فيبدأون بالتعبير بمرارة عن تسرب العمر وضياعه من بين إيديهم شاعرين بجرح يظهر في كلامهم وتعبيراتهم جرح مرور العمر.
لكن في الحقيقية كان تعبيري أنا شخصيًا عن سني حياتي أنها سنين طويلة بالحق وقد مضت ولكن لأنها كانت مثمرة ومباركة، فأنا أراها شيء عظيم ورائع.
فكل شخص له تقييم خاص لرحلة حياته، فهناك من يراها مثمرة ومليئة بالبركات أو مُرة مليئة بالآهات. هذا التقييم أعتقد أنه يرتكز ويعتمد على العدسة التي ترى منها حياتك.
في الكتاب المقدس هناك تقرير من داود عن سنوات عمره التي عبر عنها قائلاً: "أَيْضًا كُنْتُ فَتىً وَقَدْ شِخْتُ، وَلَمْ أَرَ صِدِّيقًا تُخُلِّيَ عَنْهُ، وَلاَ ذُرِّيَّةً لَهُ تَلْتَمِسُ خُبْزًا." (مزمور 37: 25). فهنا نرى داود ينظر لحياته نظرة إيجابية.
كما أننا نرى تقرير أخر من يعقوب أمام فرعون مصر عبر عنه قائلاً: "فَقَالَ يَعْقُوبُ لِفِرْعَوْنَ: «أَيَّامُ سِنِي غُرْبَتِي مِئَةٌ وَثَلاَثُونَ سَنَةً. قَلِيلَةً وَ رَدِيَّةً كَانَتْ أَيَّامُ سِنِي حَيَاتِي، وَلَمْ تَبْلُغْ إِلَى أَيَّامِ سِنِي حَيَاةِ آبَائِي فِي أَيَّامِ غُرْبَتِهِمْ»." (تكوين 47: 9). هنا ينظر يعقوب لحياته نظرة سلبية. يشعر بجرح مرور العمر.
ما السبب من أختلاف كل منهما في تقييمه لحياته؟ أعتقد أن السبب هو مدخل النظرة، فيعقوب كان مدخل نظرته مادي لذلك فعندما قيم حياته من حيث الطول والخير المادي وجدها قليلة وردية، وشعر بجرح مرور العمر. أما داود فكان مدخل نظرته روحي لذلك فعندما قيم حياته من حيث المعية الإلهية والعناية الربانية وجدها مليئة بالخير والإحسان، ولم يشعر بجروح رغم ما لاقاه من متاعب طوال حياته.
لذا أشجعك عزيزي أن تغير مدخل نظرتك لعمرك وتراها من خلال معية وعناية وإحسان الله.