جرح الراحة الاجبارية
من منا لم يكن يحلم بإجازة طويلة يستريح فيها من عناء الجري في العالم إن كان في عمل أو خدمة أو أي مسؤولية أخرى. بل أن البعض كان يلف ويدور ليحصل على – هروبة أو تزويغة - من العمل ابتغاءً للراحة. وظل هذا حلم للجميع ... إجازة طويلة طويلة.
وفجأة بسبب وباء كورونا والحظر جميعنا حصلنا على الإجازة الطويلة التي كنا نحلم بها، ولكنها كانت إجازة.. وطويلة.. ولكنها إجبارية. في البداية جميعنا ابتهجنا وخططنا للاستمتاع برفقة اعضاء الاسرة والراحة الجسدية وقراءة مالم نقرأه من قبل، ومشاهدة مالم نشاهده من قبل، ودراسة ما لم نكن نمتلك الوقت لدراسته من قبل، و .. و... و – التمطع - أي الاسترخاء.
لقد كنا نشعر بالضجر من الساقية التي ندور فيها كالثيران، حتى في مجال الخدمة والكنيسة، فالبعض كان يشعر بثقلها وكأنها واجب أو وظيفة لا يشعر بالمتعة في اداءها، حتى أن البعض ممن يسمون مؤمنين كانوا يشعرون بثقل حضورهم ساعتين كل اسبوع للعبادة وكأنه أمر إجباري يبحثون عن الحجج للهروب منه، والأسوأ أن بعض الخدام الغير مدعوين من الله للخدمة كانوا يشعرون بثقل الخدمة والمخدومين ويتمنون أن يستريحوا من كل ذلك..
لكن بعد طول المدة شعرنا أننا مجروحين بجرح غريب لم نتعرض له من قبل كأفراد، بل كدول، بل العالم كله. هذا الجرح اسمه الراحة الإجبارية. راحة لم نختارها ولا قرار لنا في إنهاءها- راحة حرمتنا من الكنائس والخدمة والعمل وزيارة الأقارب، راحة منعتنا من مشاركة فرحة الفرحان وحزن الحزين. وبدء العالم المحبوس بأكمله يشعر بالضجر ولكن نوع مختلف من الضجر يختلف عن ضجر المشغوليات .. فهو ضجر الراحة الإجبارية... يا له من جرح.
لقد كشف هذا الجرح عدم الرضى الذي يشعر به الإنسان بصورة دائمة عن حياته، في كل الظروف فما كان يحلم به تحول إلى كابوس لا يعرف متى سيتخلص منه، كما وضح عدم قبول واستعداد الإنسان للتغيير.
ولكن السؤال هل الله اراد أن يعرضنا لراحة إجبارية من الكنيسة والخدمة؟ هل أراد الله أن يُظهر لنا أن أحلامنا كثيرًا ما تكون غير سليمة وأن ما نحياه في حاضرنا مهما كان شكله هو نعمة كبيرة، وأن الراخة التي في أذهاننا من المكن أن تكون عكس ما نتصور؟!
مهما كانت الاسباب التى من وراءها تعرضنا لهذا الجرح فالأهم هو ماذا سيحدث بعد نهاية هذه الأزمة؟ هل سنبدأ في شكر الرب من أجل كل شيء حولنا: كنيسة، خدمة، عمل وحتى التعب والمجهود أم سنبدأ التذمر من جديد.
شفاء هذا الجرح – جرح الراحة الإجبارية – ليس الخروج وانتهاء فترة الراحة، ولكن تغيير نظرتنا للأمور لتكون متطابقة مع نظرة الله. وحتى إن لم نفهم الآن فعلى الأقل نثق في أبونا السماوي.. المحب.. صاحب السلطان... وضابط الكل.
"أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ:«لَسْتَ تَعْلَمُ أَنْتَ الآنَ مَا أَنَا أَصْنَعُ، وَلكِنَّكَ سَتَفْهَمُ فِيمَا بَعْدُ»." (يوحنا13: 7)