منتدى جروحات
مات الرئيس الأسبق حسني مبارك عن عنر 92 سنة والذي حكم مصر لمدة ثلاثين سنة. وقد عُملت له جنازة عسكرية يتقدمها رئيس الجمهورية وحاملي النياشين بعد أن أعلنت الدولة المصرية الحداد لمدة ثلاثة أيام.
بعد الثورة وتنازل مبارك عن الحكم للمجلس العسكري بدأت سلسلة من التجرح والاتهامات التي نالت من شخصه وتاريخه وحكمه هو وأسرته، وقد وصلت الجروح حتى الوقوف في قفص الاتهام والسجن، وقد كان المنظر مؤسف لنهاية مثل هذه لرجل وصل لهذا المنصب. لكن لم يظهر دليل علي أي من الإشاعات التي أنتشرت حوله، ولا حُكم عليه في قضية تشين تاريخه.
ولكن ما حدث بعد وفاته وفي جنازته المهيبة كان وكأن الشعب والحكومة أعطته عوضًا عن الجروح تكريمًا، وكأن هذا هو تعويض منهم عما قساه من جروح. وما أعجبني في الأمر شجاعة التعويض عن الجروح، فنحن نُعاني من عدم الاعتراف بالخطأ عندما نجرح أحد وإذا كان لنا القدرة على الاعتراف لا نملك شجاعة التعويض عن التجريح. وكما يقول المثل الشعبي المصري "يجرحني في شارع ويصالحني في حارة" وهذا المثل أيضًا وقف عند المصالحة ولم يذكر شيئًا عن التعويض.
في الكتاب المقدس نجد أن قصة جرح القادة اليهود للرب يسوع حتى أنهم قالوا عنه: مجنون وأن به شيطان وأنه أكول وشريب خمر ويعاشر العشارين والخطاة. والمشكلة في هؤلاء القادة الذين جرحوا المسيا الذي أدّعوا أنهم ينتظرونه ليخلصهم لم يعترفوا بخطئهم نحوه فحتى بعد صلبه اتهموه أنه "مُضل" (متى27: 63) وبالتالي فلم يعوضوه ابدًا عن خطئهم وتجريحهم له. ولكن الآب عوضه بإقامته من الأموات ورفع اسمه فوق كل اسم، وسيعوضه في المستقبل عندما يضع أعداءه موطئًا لقدميه. (فليبي 2: 9 ؛ عبرانيين10: 13)
وهذا ما يحدث من كثيرين من البشر ولكن المشكلة الأصعب عندما يحدث هذا من المؤمنين فيتعرضون بالتجريح والتشويه لشخص ما هو عضو معهم في جسد المسيح بدون أي وجه حق أو دليل، وحتى بعدما يتم إثبات براءته وعدم ظهور أدلة على ما أتهموه به لا يعتذرون أو يعترفون بخطئهم وإن اعترفوا لا يعوضونه عن الجروح التي أحدثوها فيه (نفسيته، سمعته، خدمته، أسرته).
فالكتاب المقدس مليء بوصايا التعويض وخاصة في سفري الخروج واللاويين (خروج 21، 22 / لاويين 5، 6، 24) وفي (حزقيال 33: 15) يقول الرب: "إِنْ رَدَّ الشِّرِّيرُ الرَّهْنَ وَعَوَّضَ عَنِ الْمُغْتَصَبِ، ...... فَإِنَّهُ حَيَاةً يَحْيَا. لاَ يَمُوتُ." والاغتصاب ليس أغتصاب أمور مادية فقط بل أيضًا الأمور المعنوية من سمعة وسيرة.
فهذه رسالة تشجيع لكل من تعرض لتجريح ممن حوله، فسيأتي وقت التعويض وحتى إن لم يكن من البشر سيكون من الله. كما أنها رسالة تحذير لنا عندما نقوم بتجريح من حولنا ظلمًا علينا أن نعترف بخطئنا بل يجب أن يكون لنا الشجاعة أن لا نتوقف عند ذلك بل نعوض من جرحناهم.