جرح البحث عن القيمة الخاطئة
سليمان الحكيم كاتب سفر الجامعة قدم بطريقة فلسفية لكن تحت سيطرة الروح القدس الطرق التي يستخدمها البشر ليكون لهم قيمة أو يحققوا بها معنى للحياة. وهم في طريقهم لتحقيق هذه القيمة والمعنى يتعرضون لجرح إكتشاف أن كل ماسعوا لتحقيقه باطل، ولكن بعد فناء حياتهم في السعي لتتبع هذا السراب.
فند سليمان كل طريقة خاطئة بعد حسرهم جميعًا في سفره، هذه الطرق التي يعتمد فيها الإنسان على نفسه لتحقيق قيمته بعيدًا عن الله فيجرح نفسه بها ويخرج منها خسران، ومن هذه الطرق: الحكمة والفلسفة البشرية، اللذة الجسدية ولذة الامتلاك، الغنى، الاجتهاد، التفوق، العمل، الشباب. والغريب أن ولا طريقة استطاعت أن تعطي مالكها المعنى والقيمة للحياة.
والجميل أن من استخدمه الروح القدس لكتابة خلاصة الحياة هذه هو سليمان، فعندما يتكلم سليمان عن هذه الأمور فهو شخص أختبر هذا ويستحق أن يُسمى الجامعة بحق. فمعرفته ليست ناتجة من الاضطلاع على الكتب ولا من حفظه لبعض الفرضيات بل هي نتيجة اختبار حقيقي لكل الطرق التي أنتهجها البشر وبصورة غير إعتيادية بل بصورة مكثفة، فلم يكن هناك إنسان في حكمة سليمان ولا غناه ولا مُلكه ولم يحصل أحد على اللذات الجسدية مثله، وقد اختبر القوة والغنى في سن الشباب. ومع كل هذا شعر بجرح أن كله هذه الأمور تسربت كالماء من بين يديه وأكتشف أن كلها باطلة. فقد أصبح شعاره "بَاطِلُ الأَبَاطِيلِ، قَالَ الْجَامِعَةُ: بَاطِلُ الأَبَاطِيلِ، الْكُلُّ بَاطِلٌ." (جامعة1: 2).
الحكمة البشرية والفلسفات والمنطق أيضًا ليسوا هم الطريق لتحقيق قيمة للإنسان أو معنى للحياة أو حتى سعادة بل يقودوا بالحري إلى الغم والحزن. "لأَنَّ فِي كَثْرَةِ الْحِكْمَةِ كَثْرَةُ الْغَمِّ، وَالَّذِي يَزِيدُ عِلْمًا يَزِيدُ حُزْنًا." (جامعة1: 18)
وفي مسالة اللذة الجسدية ولذة الامتلاك، من امتلاك القصور والفراديس والخدم وتمتع الإنسان بكل أوجه اللذة والمتعة الجسدية لا تعطى معنى لحياة الإنسان بل بالعكس، فقال سليمان: " فَعَظَّمْتُ عَمَلِي: بَنَيْتُ لِنَفْسِي بُيُوتًا، غَرَسْتُ لِنَفْسِي كُرُومًا. عَمِلْتُ لِنَفْسِي جَنَّاتٍ وَفَرَادِيسَ، وَغَرَسْتُ فِيهَا أَشْجَارًا مِنْ كُلِّ نَوْعِ ثَمَرٍ. عَمِلْتُ لِنَفْسِي بِرَكَ مِيَاهٍ لِتُسْقَى بِهَا الْمَغَارِسُ الْمُنْبِتَةُ الشَّجَرَ." (جامعة2: 4 - 6)
أما عن المال الذي هو أكثر الطرق المستخدمة من البشر لتحقيق القيمة فهو أيضًا باطل لا يستطيع أن يسبب السعادة ولا الراحة. "مَنْ يُحِبُّ الْفِضَّةَ لاَ يَشْبَعُ مِنَ الْفِضَّةِ، وَمَنْ يُحِبُّ الثَّرْوَةَ لاَ يَشْبَعُ مِنْ دَخْل. هذَا أَيْضًا بَاطِلٌ." (جامعة 5: 10)
وعن الاجتهاد والعمل أيضًا وإن كانا مهمان إلا انهما ليسا الطريق لتحقيق القيمة أو المعنى: "لأَنَّهُ مَاذَا لِلإِنْسَانِ مِنْ كُلِّ تَعَبِهِ، وَمِنِ اجْتِهَادِ قَلْبِهِ الَّذِي تَعِبَ فِيهِ تَحْتَ الشَّمْسِ؟ لأَنَّ كُلَّ أَيَّامِهِ أَحْزَانٌ، وَعَمَلَهُ غَمٌّ. أَيْضًا بِاللَّيْلِ لاَ يَسْتَرِيحُ قَلْبُهُ. هذَا أَيْضًا بَاطِلٌ هُوَ." (جامعة2: 22، 23).
وفي النهاية يختم سليمان بالشباب والحداثة، فهو الحلم الذي يحلم به كل إنسان ويتمنى استمراره ولكنه أيضًا باطل لأن مغريات وأخطاء الشباب تقود للدينونة ".... لأَنَّ الْحَدَاثَةَ وَالشَّبَابَ بَاطِلاَنِ." (جامعة 11: 10)
الخلاصة التي يريد سليمان أن يصل لها الإنسان والدرس الذي يبتغي منا أن نتعلمه هو أن القيمة الحقيقية لي كإنسان، والذي يجعل لحياتي معنى، هو شخص لا شيء....وهذا الشخص هو الله، فعندما جرب سليمان كل الأشياء وأنتهى بجرح البُطل أدرك أن الله هو قيمته الحقيقية وهو الذي يعطيه معنى للحياة.
"فَلْنَسْمَعْ خِتَامَ الأَمْرِ كُلِّهِ:
اتَّقِ اللهَ وَاحْفَظْ وَصَايَاهُ، لأَنَّ هذَا هُوَ الإِنْسَانُ كُلُّهُ."
(جامعة12: 13)
الخميس يونيو 13, 2019 2:55 pm
