مجروحين بلا جروح
في هذا الشهر نحن نُعيد متذكرين صلب ربنا يسوع المسيح وفداءه لنا، وإذا رجعنا ونظرنا للوراء لفترة الصلب كما سجلتها البشائر الأربعة سنجد أنه ظهر أشخاص كثيرين حول المصلوب وكانوا يظهرون كثير من الالآم والبكاء والنوح عليه، من ضمن هؤلاء امرأة بيلاطس وبنات أورشليم، فمن يراهم أو يسمعهم يرى أنهم مجروحين بسبب مايحدث للمسيح من اساءة وظلم.
فالشخصية الأولى إمرأة بيلاطس هي إمرأة وثنية رومانية زوجها بحكم عمله كوالي لمدينة اورشليم التي كانت تحت الاستعمار الروماني يسكن هناك وهي معه، ومن المؤكد أنها سمعت عن ذلك المعلم اليهودي المتجول الذي يشفي الأعمى ويطهر الأبرص ويقيم الموتى، ومن المؤكد أنها تطلعت لرؤية هذا المعلم صانع الآيات. الغريب أنه عندما جر اليهود المسيح لساحة بيلاطس ليحكم عليه تكلم الله لهذه المرأة عن براءة المسيح من خلال حلم تألمت فيه من أجله ولقد قامت بدورها فأرسلت وانذرت زوجها. "وَإِذْ كَانَ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيِّ الْوِلاَيَةِ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ امْرَأَتُهُ قَائِلَةً:«إِيَّاكَ وَذلِكَ الْبَارَّ، لأَنِّي تَأَلَّمْتُ الْيَوْمَ كَثِيرًا فِي حُلْمٍ مِنْ أَجْلِهِ»." (متى27: 19) أي شخص سيرى هذه المرأة سيُدرك أنها مجروحة للظلم الذي وقع على المسيح البريء وأنها وتتألم معه. لكن الكتاب لم يذكر شيء أخر عن هذه المرأة ولا توبة ولا تبعية للمسيح، ولا يوجد أي مصدر تاريخي يذكر تجاوبها بالإيمان بالمسيح بعد هذا الحلم. فواضح أن هذه المرأة كانت مجروحة بلا جروح، فجروحها كانت مجرد عواطف تتحرك بسبب رقة قلبها نحو شخص بريء.
الشخصية الثانية بنات أورشليم إذا أعتبرناهم فئة واحدة من الناس. "وَتَبِعَهُ جُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنَ الشَّعْبِ، وَالنِّسَاءِ اللَّوَاتِي كُنَّ يَلْطِمْنَ أَيْضًا وَيَنُحْنَ عَلَيْهِ. فَالْتَفَتَ إِلَيْهِنَّ يَسُوعُ وَقَالَ:«يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ، لاَ تَبْكِينَ عَلَيَّ بَلِ ابْكِينَ عَلَى أَنْفُسِكُنَّ وَعَلَى أَوْلاَدِكُنَّ،" (لوقا 23: 27، 28). بنات أورشليم عندما رأين المسيح يحمل الصليب بكين ونُحنَّ عليه ولطمّن وعندما رأهن المسيح رد عليهن برد غريب عكس ما كان يتوقعه أي إنسان، فأي شخص يراهم ينحون يشعر أنهن قد جُرحنَّ جرح عصيب بسبب المسيح وما يحدث معه من ويلات الظلم. ولكن رد المسيح عليهن يا بنات أورشليم لا تبكينا علي بل أبكين على أنفسكن ثم بعد ذلك يخبرهم بما سيحدث لهن عقابًا لعدم إيمانهن به يدلل على أنهن كن مجروحات بلا جروح، فجروحهن كانت مجرد عواطف نسائية تجاه منظر التعذيب البشع الذي حدث للمسيح.
والحقيقة أن كثيرين يظهرون كأنهم مجروحين من أجل:
البر أو من أجل الآخرين أو من أجل قضايا قيمة .... ولكن الحقيقة أنهم مجرد أناس رقيقي القلب عاطفيين يتألمون فقط ويبكون فقط لكنهم لا يخطون خطوة أخرى، وكثير من البشر وخاصة المسيحيين في الكنائس يقضون هذه الأيام في بكاء ونوح على المسيح ولكن بكاءهم مجرد عواطف لا أكثر سيقابلها المسيح بنفس ما قاله لبنات أورشليم، فعلاقتهم تجاه المصلوب ليست تبعية أو إيمان لذلك لن يجدوا أي مدح من المسيح رغم ما لاقوه من مديح الناس.
لكننا نستطيع أن نرى بالقرب من المصلوب مجموعة أخرى علاقتها بالمصلوب لا تقف عند حد التألم العاطفي أو حتى البكاء والنواح لكن تتخطى هذا إلى الإيمان الحقيقي به والتبعية الحقيقية للمصلوب "وَكَانَتْ وَاقِفَاتٍ عِنْدَ صَلِيبِ يَسُوعَ، أُمُّهُ، وَأُخْتُ أُمِّهِ مَرْيَمُ زَوْجَةُ كِلُوبَا، وَمَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ." (يوحنا19: 25) ما أعظم أولئك القديسات اللواتي تألمن بسبب جروح حقيقية، جروح الإيمان والتبعية.
فما هي حقيقية علاقتنا بالمصلوب؟! هل علاقتتنا به مجرد تعاطف يصل لأي حد من البكاء أو التألم العاطفي،..... أم نحن نؤمن به ونتبعه تبعية حقيقية.... يا ليتنا نحدد موقفنا منه ونحن نتذكر فداءه لنا في هذه الأيام.