متى نعرض انفسنا للجرح
بمناسبة إنني أقوم بتحضير كورس عن القيادة، قرأت أن أصعب نوع من القيادة هو قيادة الذات، أي أنك تقود نفسك للتغيير والتطوير. ومن ضمن أدوات تطوير الذات هو السماح للآخرين أن يجرحونا بإرادتنا وذلك لتطويرنا.
والمقصود بأن ندع الأخرين أن يجرحونا هو أن نسمع منهم ما قد لا نحب أن نسمعه، فجميعنا نحب أن نسمع المديح والثناء ممن حولنا بل وقد نصل بأن نحيط أنفسنا فقط بمن يمتدحنا (ماسحي الجوخ) – أنا لا أفهم العبارة – بل قد نصل بالتطرف إلى حد إننا نؤذي كل شخص يحاول أن ينتقدنا حتى وإن كان يحبنا بصدق ويسعى من وراء نقده البنّاء إلى تغييرنا للأفضل وتطويرنا.
ولماذا نرفض أن يجرحنا (أي: ينتقدنا الأخرون)؟ لأننا لا نستطيع أن نقود ذاتنا بالرغم من نجاح البعض أن يقود آخرين بنجاح، فالقيادة الذاتية هي أصعب أنواع القيادة، ولذلك يعلمنا سليمان الحكيم بالروح القدس هذا المثل: "...... مالك روحه خير ممن يأخذ مدينة" (أم16: 32)، فأن تملك وتمتلك وتتحكم وتقود ذاتك خير وأفضل بكثير من أن تقود الأخرين، لأنه في الحقيقية أنجح القادة هم من يصلون إلى قيادة ذاتهم للتغيير وخاصة عن طريق تشجيع الأمناء الذين أحاطنا بهم الله أن يجرحونا بنقدهم وتقيماتهم.
يُدعم سليمان وبحسب اختباراته وخبراته الطويلة ككقائد لشعب إسرائيل هذا المبدأ القيادي عندما قال: "أَمِينَةٌ هِيَ جُرُوحُ الْمُحِبِّ وَغَاشَّةٌ هِيَ قُبْلاَتُ الْعَدُوِّ." (أم 27: 6). وقد اقتبسها العامة ووضعوها في الأمثال الشعبية عندما قالوا: "يا بخت من بكتني وبكى عليَّ، ولا ضحكني وضحك الناس عليَّ". فالقابلية للجرح من الأمناء ضرورية لديمومة الإستقامة في حياة القائد.
لذا أدعو كل قائد يبغي تطوير ذاته وقدراته القيادية أن يحيط نفسه باشخاص امناء مقتدرين في التقييم المُحايد وأن يشجعهم أن يجرحوه، وأن يوزن نقدهم ويتجاوب مع نقدهم بالتغيير والتطوير. وإذا دعاك قائد أن تجرحه فهذه مسئولية أن تكون محايدًا وأمينًا في جرحك له كما لو أنك مرآته.