قديسون لا دواعش
في هذا الشهر فوجعنا جميعًا بتهجير مسيحيّ العريش على يد إرهابيّ جماعة داعش أو أخواتها من بيوتهم إلى الاسمعيلية وبعض المحافظات الأخرى، وبالرغم أنها ليست المرة الأولى في تاريخ المسيحيين ولن تكون الأخيرة، فالرب يسوع نفسه هاجر من بلدته في فلسطين إلى مصر هربًا من بطش هيرودس الملك الارهابي، إلا أنها في كل مرة تحدث لأي شخص تعتبر مصيبة كبرى بسبب تبعيتها وآلامها بالنسبة للفرد والعائلة والمجتمع.
هذا وقد طوب الرب يسوع المطرودين من أجل البر ومن أجل اسمه عندما قال: "طُوبَى لِلْمَطْرُودِينَ مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. طُوبَى لَكُمْ إِذَا عَيَّرُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ وَقَالُوا عَلَيْكُمْ كُلَّ كَلِمَةٍ شِرِّيرَةٍ مِنْ أَجْلِي كَاذِبِينَ. افْرَحُوا وَتَهَلَّلُوا لأَنَّ أَجْرَكُمْ عَظِيمٌ فِي السَّمَاوَاتِ فَإِنَّهُمْ هَكَذَا طَرَدُوا الأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ." (متى5: 10، 11). فالمطرودون والمهجرون بلا سبب وبلا خطأ هم بالفعل يستحقوا التطويب لما يعانوه من الآم ومتاعب.
إلا أنه أثناء هذه الحادثة، ونحن نُدين ظلم الدواعش وخستهم تذكرت أننا نحن المؤمنين نفعل الشيء ذاته داخل كنائسنا وأن هناك للأسف دواعش داخل كنائسنا. فأننا نهجّر ونطرد البعض من أماكن سكناهم وعملهم هم وعائلتهم بلا سبب غير أن يُرضي البعض كبريائه لمجد ذاته وللسيطرة على بيت الله......وأنا هنا عن القسوس المهجّرين أتكلم.
فقد أنتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة في كنائسنا خاصة الإنجيلية بكل مذاهبها هو أن بعد ما القسيس وعائلته يقضون في الكنيسة سنوات واصبحت العائلة مستقرة في المنطقة والأولاد في المدارس، وتأقلموا مع الجيران حتى تصبح المنطقة أو البلد وكأنها بلادهم لهم فيها أصدقاء ومعارف وأحيانًا عائلات، تحدث مشكلة بين راعي الكنيسة وأحد الأعضاء فيها، نجد هذا العضو يقرر أنه يجب على القسيس ترك الكنيسة وليس هناك حل آخر.
ثم نجد كل من يتدخل للحل من المجمع المسئول عن الكنيسة أو قادة الكنيسة يجدوا أن أسهل الحلول هو بالفعل تطبيق المثل الشعبي لا الكتابي "شيل ده عن ده، يرتاح ده من ده" وعندما يُطرح السؤال "نشيل" مين؟ نجد إجابة واحدة بالطبع، القسيس. وسمعت من أحد القادة الكنسيين مرة هذه المقولة: أن عضو الكنيسة ليس له غير كنيسته إما القس فهو يستطيع أن يخدم في أي كنيسة. والحقيقة أنا أختلف جملة وتفصيلاً مع هذه المقولة، وسأدلل عن أسباب رفضي لها.
وبالطبع ليس أمام هذا القسيس إلا حلين كلاهما مر، أما أن يُنهي المشكلة ويخضع لهذا العضو تمامًا حتى على حساب الخدمة وعمل الله ومصلحة الكنيسة، لتبدأ الكنيسة سلسلة من التحولات من كونها بيت لله لمغارة لصوص ولا يستطيع الخادم أن يفعل شيء غير أن يحافظ على أكل عيشه واستقرار عائلته. أو الحل الآخر..... التهجير، فيبدأ هو وعائلته رحلة من المجهول تبدأ من السؤال إلى أين ستتوجه الأسرة؟ ثم إقرار المنطقة التي سينتقلون إليها، وترتيب رحلة نقل العفش ونقل الأولاد لمدارس جديدة والزوجة إلى عمل جديد إن كانت تعمل، ثم السؤال الآخير أين سيخدم هذا القسيس؟! ومن أين يبدأ من جديد؟! بالطبع بعد أن تكون الأسرة خاصة الزوجة والأولاد فقدت أمانها واستقرارها وترسخ فيهم جرح لن ينسى يصل إلى حد العثرة بسبب الظلم الذي تعرضوا له.
وبالتأكيد عضو الكنيسة الذي تشاجر مع القسيس وقرر أنه عليه مغادرة الكنيسة كان يُدرك بوضوح الخيارين اللذين أمام القسيس، وأنه في كلتا الحالتين سيخرج هذا العضو منتصر، وستدمر حياة القسيس وحياة أسرته، ومن بعدها يصبح هذا العضو الشخصية التي يعمل لها الجميع الف حساب، حتى القسيس الجديد الذي سيسأل وسيفهم وسيدرك لماذا ترك القسيس القديم كنيسته بعد كل هذه السنوات.
ولكن هل كلامي هذا أن القسيس لا يجب أن يترك الكنيسة نهائيًا مهما كانت أخطاءه أو خطورته على الكنيسة؟ بالطبع لا، ليس هذا ما أقصده ... ولكن ما أريد أن أقوله أن بمرور سنة على القسيس وعائلته بالكنيسة فهو لا يصبح بعد موظف غير مرتبط بمكان العمل ويمكنه تغيره، بل أصبح هو عائلته أعضاء واقعيين في الكنيسة وهذا سبب أساسي لرفض فكرة تهجيره بلا سبب قوي. فعند خطىء القسيس يجب أن يعامل كأي عضو بالكنيسة فيصبح تحت التأديب الكنسي بدون قطعه أو تهجيره، كما أن وجودالقسيس وعائلته في الكنيسة أكثر من سنة يجعل وجودهم أكثر واقعية وتعقيدًا عليهم وعلى الكنيسة (هناك كنائس أنقسمت أو خربت بعد تهجير القسيس ظلمًا بلا الرجوع لبقية شعب الكنيسة).
ولكن ما الحل في حالة فساد القسيس (أخترت هذه الكلمة لأوضح أن سبب ترك القسيس لكنيسته يجب أن يكون سبب قوي جدًا – أو كما يُذكر في دساتير الكنائس والتي لا تُنفذ (شر أخلاقي أو تعليمي). في هذه الحالة يحق للكنيسة (أي: الجمعية العمومية) أن تناقش أخطاء هذا الراعي وتحولها للمجمع المسؤول عن الكنيسة باتباع الخطوات القانونية التي يحددها كل مجمع لاتخاذ القرار بأنه أخطىء أخطاء تؤثر على الكنيسة وأنه يجب عليه تركها. وفي الوقت ذاته يجب أن تراعي الكنيسة أثار هذا القرار على الاسرة وابعاده الاجتماعية. فنحن كأعضاء الكنائس قديسين لا دواعش.