جراح فكاهية: برج الأزرايطة المائل
يقولون شر البلية ما يضحك، فاحيانًا نتعرض لجروح تضحكنا من همها، ولأول مرة سأتكلم عن الجروح التي أحيانًا تقود للفكاهة، والمصريون بصفة خاصة يعرفون هذه الأمور لأنهم يسخرون من كل مآسيهم بالفكاهة والنكات أكثر من أي شعب أخر، فشهرة الكاريكاتير المصري في الجرائد الذي يتناول مشاكل المصريين بطريقة ساخرة تقود للفكاهة واسعة أتساع القطر المصري.
ومن أكثر الحوادث الأخيرة التي قادت للفكاهة البرج السكني في منطقة الأزريطة بالأسكندرية والذي يبلغ ثلاثة عشر طابقًا والذي مال بالكامل على البرج المقابل له بالاتجاه الأخر من الشارع دون أن يسقط، وكأننا كمصريين قررنا أن ننافس إيطاليا وأعجوبتها الأثرية التاريخية "برج بيزا المائل".
والمشكلة في هذا البرج إنه لم يسقط بل مال بالكامل وهو صورة للحال في مصر الذي يشعر به كل المصريين أن الواقع في مصر أصبح الميل والأنحراف بسبب الفساد هو حاله الدائم، فهو لم يسقط ولكنه مال بما يعرض الأرواح للخطر ويعرض بسطاء كثيرين للخسارة. هذا الأمر في الحقيقة هو فاجعة وجرح في جسد الوطن ففكرة أن يصل الفساد بالبلاد لهذه الدرجة فهذا استخفاف بحياة البشر يدل على أن الفساد أصبح يصل إلى حد الإتجار لا بالأوراق أو الأراضي بل بالأرواح.
هذا الجرح الفكاهي "برج الأزرايطة المائل" هو صورة للواقع ليس داخل الوطن العزيز فقط بل أيضًا داخل كنائسنا، فكثير من كنائسنا أصبحت مائلة فهي لا هي ساقطة ولا هي واقفة وثابتة، ولا هي كنائس مغلقة أو فاسدة بوضوح مثل كنائس المذاهب المنحرفة ولا هي كنائس قوية وصحيحة روحيًا وتعليميًا تقود الخطاة للخلاص والمؤمنين للنضج ككنيسة المسيح، كجسده الذي على الأرض، بل هي مائلة في تعاليمها وممارستها وحياة أعضاءها. فكم من المرات نضحك حزنًا من جرح الميلان في كنائس عدة نراها حولنا؟! فكم مرة ضحكنا من تفاهة المشاكل بين المؤمنين في داخل الكنيسة الواحد مما أدى إلى خراب الخدمة وتعثير البسطاء، وكم مرة ضحكنا من الأهتمامات الشكلية والنشاطات العالمية والجسدية التي أهتمت بها كنيسة على حساب العمل الروحي الحقيقي، وكم مرة ضحكنا عندما رأينا بعض أعضاء الكنائس والقادة أحيانًا لا يروا الخطية خطية بل يبرروها في خين أنها مدانة بوضوح من الحق الكتابي، وكم مرة ضحكنا من قادة دينيين أصبحوا سياسيين أو من دعاة حقوق الإنسان والتمدن الحضاري أو فلاسفة على حساب كلمة الله....أنها ضحكات من جروح غائرة في جسد الكنيسة.
الرب يسوع نفسه رأى في الهيكل اليهودي أثناء خدمته على الأرض هذا الجرح، فقد رأى الهيكل- هيكل الرب- تستمر فيه الخدمة ....وتستمر فيه التجارة، تستمر فيه العبادة لله.... وترافقها العبادة للمال، يستمر فيه التسبيح..... ويستمر فيه المؤمرات على مسيح الرب!!!!!!!!!!
فقد رأى الرب يسوع الهيكل مائلاً عن العبادة الحقيقية ومائلاً عن السلوك الروحي، فلقد أصبح "مغارة لصوص" في أيامه على الأرض رأه هكذا: "وَقَالَ لَهُمْ: «مَكْتُوبٌ: بَيْتِي بَيْتَ الصَّلاَةِ يُدْعَى. وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ!»"(متى21: 13)
وهذا الميل جعله هو الذي يقود الشعب اليهودي من خلال الكهنة أن يكونوا مائلين في الحق فاختاروا أن يصلبوا المسيح، وكان رد المسيح تجاه هذا الهيكل المائل وتجاه شعب الله المائل أنه يجب أن يتُرك ويصير بيتهم خرابًا "يَا أُورُشَلِيمُ يَا أُورُشَلِيمُ يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا وَلَمْ تُرِيدُوا. هُوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَاباً!" (متى23: 38) لماذا؟ لأن البيت المائل خطورته أنه سيصدع كثير من البيوت حوله وسيخدع البعض أنه متين ولا يسقط لأنه مازال قائمًا وسيعوّد الذوق العام والضمير على قبول الميلان.
فنحن لا نريد أن نضحك بسبب برج الكنيسة المائل بل نتتضع ونصرخ أمام الله حتى يصلح هذا الميلان فينا لترجع الكنيسة منارة لهدي هذا العالم التائه.