جرح استغلال عجز الغير (صيبا)
(2صم 16: 1- 4 ، 19: 24 - 30)
وَلَمَّا عَبَرَ دَاوُدُ قَلِيلاً عَنِ الْقِمَّةِ إِذَا بِصِيبَا غُلاَمِ مَفِيبُوشَثَ قَدْ لَقِيَهُ بِحِمَارَيْنِ مَشْدُودَيْنِ، عَلَيْهِمَا مِئَتَا رَغِيفِ خُبْزٍ وَمِئَةُ عُنْقُودِ زَبِيبٍ وَمِئَةُ قُرْصِ تِينٍ وَزِقُّ خَمْرٍ. فَقَالَ الْمَلِكُ لِصِيبَا: « مَا لَكَ وَهَذِهِ؟» فَقَالَ صِيبَا: « اَلْحِمَارَانِ لِبَيْتِ الْمَلِكِ لِلرُّكُوبِ، وَالْخُبْزُ وَالتِّينُ لِلْغِلْمَانِ لِيَأْكُلُوا، وَالْخَمْرُ لِيَشْرَبَهُ مَنْ أَعْيَا فِي الْبَرِّيَّةِ». فَقَالَ الْمَلِكُ: « وَأَيْنَ ابْنُ سَيِّدِكَ؟» فَقَالَ صِيبَا لِلْمَلِكِ: « هُوَذَا هُوَ مُقِيمٌ فِي أُورُشَلِيمَ، لأَنَّهُ قَالَ: الْيَوْمَ يَرُدُّ لِي بَيْتُ إِسْرَائِيلَ مَمْلَكَةَ أَبِي». فَقَالَ الْمَلِكُ لِصِيبَا: « هُوَذَا لَكَ كُلُّ مَا لِمَفِيبُوشَثَ». فَقَالَ صِيبَا: « سَجَدْتُ! لَيْتَنِي أَجِدُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ».
"وَنَزَلَ مَفِيبُوشَثُ ابْنُ شَاوُلَ لِلِقَاءِ الْمَلِكِ وَلَمْ يَعْتَنِ بِرِجْلَيْهِ وَلاَ اعْتَنَى بِلِحْيَتِهِ وَلاَ غَسَلَ ثِيَابَهُ مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي ذَهَبَ فِيهِ الْمَلِكُ إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي أَتَى فِيهِ بِسَلاَمٍ. فَلَمَّا جَاءَ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِلِقَاءِ الْمَلِكِ قَالَ لَهُ الْمَلِكُ: « لِمَاذَا لَمْ تَذْهَبْ مَعِي يَا مَفِيبُوشَثُ؟» فَقَالَ: « يَا سَيِّدِي الْمَلِكُ إِنَّ عَبْدِي قَدْ خَدَعَنِي، لأَنَّ عَبْدَكَ قَالَ: أَشُدُّ لِنَفْسِيَ الْحِمَارَ فَأَرْكَبُ عَلَيْهِ وَأَذْهَبُ مَعَ الْمَلِكِ، لأَنَّ عَبْدَكَ أَعْرَجُ. وَوَشَى بِعَبْدِكَ إِلَى سَيِّدِي الْمَلِكِ، وَسَيِّدِي الْمَلِكُ كَمَلاَكِ اللَّهِ. فَافْعَلْ مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْكَ لأَنَّ كُلَّ بَيْتِ أَبِي لَمْ يَكُنْ إِلاَّ أُنَاساً مَوْتَى لِسَيِّدِي الْمَلِكِ، وَقَدْ جَعَلْتَ عَبْدَكَ بَيْنَ الآكِلِينَ عَلَى مَائِدَتِكَ. فَأَيُّ حَقٍّ لِي بَعْدُ حَتَّى أَصْرُخَ أَيْضاً إِلَى الْمَلِكِ؟» فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ :« لِمَاذَا تَتَكَلَّمُ بَعْدُ بِأُمُورِكَ؟ قَدْ قُلْتُ إِنَّكَ أَنْتَ وَصِيبَا تَقْسِمَانِ الْحَقْلَ. فَقَالَ مَفِيبُوشَثُ لِلْمَلِكِ: « فَلْيَأْخُذِ الْكُلَّ أَيْضاً بَعْدَ أَنْ جَاءَ سَيِّدِي الْمَلِكُ بِسَلاَمٍ إِلَى بَيْتِهِ"
في جزء هام ومأساوي في حياة داود الملك كان تمرد ابنه ابشالوم ضده مما اضطر الملك للهروب هو وقواده إلى البرية حتى انهزم ابشالوم أمام رجال داود وقُتل، أثناء هذه الأحداث المأسوية تبرز شخصية صيبا عبد مفيبوشث المُقعد ابن يوناثان بن شاول الملك.
ترجع القصة إلى العهد الذي قطعه داود لصديقه يوناثان بن شاول قبل أن يموت يوناثان ويصبح داود ملكًا وهو أن يعتني داود بابناء يوناثان من بعده، وبالفعل بعد تسلم داود المُلك وموت شاول ويوناثان، وللأمانة للعهد بحث داود عما بقي من عائلة يوناثان ليصنع لهم إحسان فلم يجد غير مفيبوشث بن يوناثان وكان مُقعد (مشلول) من رجلية كلتاهما. وأرجع داود كل ممتلكات بيت شاول لمفيبوشث، وزيادة في الإكرام جعل داود صيبا عبد مفيبوشث يتحمل رسميًا مسئولية خدمة مفيبوشث والأعتناء بممتلكاته لأن مفيبوشث سيظل في اورشليم لأنه سيأكل على مائدة داود أي سيصبح من المقربين للملك.
أما بعد التمرد الذي قاده ابشالوم، وهروب داود فقد قام صيبا من وراء سيده مفيبوشث المُقعد بأخذ مؤن وأطعمة ودواب لداود كهدية منه لتعينه في هروبه هو أسرته من أمام أبشالوم، فسأله داود أين سيدك فكذب صيبا وقال أن مفيبوشث ظل في أورشليم لأنه أعتبر ما حدث فرصة أن يُرد المُلك إليه. بالطبع عندما سمع داود وهو في أزمته رد الجميل الذي فعله مع مفيبوشث بالشر أمر أن يأخذ صيبا كل ممتلكات سيده مفيبوشث.
بعد نصرة داود ورجوعه هو وجيشه وأسرته جاء لمقابلته بجهد شديد مفيبوشث، وسأله داود: لماذا لم يذهب معه؟ فقال مفيبوشث: أنه أعرج وأن عبده خدعه ووشى به للملك، فأمر داود أن يتقاسم هو وصيبا الممتلكات، فقبل مفيبوشث بذلك طالما أن الملك رجع بسلام.
ومن هذه القصة التي سُطرت بالوحي المقدس نرى نوع خاص من الجروح يسببه بعض الأشخاص لمن حولهم، فلقد جرح صيبا سيده مفيبوشث ليس بخداعه فقط أو بوشايته لدواد كذبًا على سيده، بل بالأحرى بأنه استغل عجز سيده. فصيبا علم أن مفيبوشث في موقف ضعف، فولا هو يستطيع أن يُسرج بمفرده دابة ليركبها، ولا هو يستطيع أن يذهب وراء داود، لذا فكانت الفرصة.
استغلال ضعف وعجز شخص هو أسوأ درجات الجرح، وكما يقول الكتاب المقدس في (لاويين19: 14) "لا تَشْتِمِ الاصَمَّ وَقُدَّامَ الاعْمَى لا تَجْعَلْ مَعْثَرَةً بَلِ اخْشَ الَهَكَ. انَا الرَّبُّ." فاستغلال أعمى ليضل الطريق أو بجعل معثرة أمامه أو استغلال أصم بشتمه لأنه لا يسمع شتيمته، كلها جراح بل من أسوأ أنواع الجراح. فكما جرح صيبا مفيبوشث باستغلال عجزه هكذا كل من يستغل عجز الأخرين يجرحهم.
والجرح باستغلال عجز الأخرين ليس فقط باستغلال العجز الجسدي (الشلل، العمى، الصمم) بل هنا أنواع أخرى من العجز من الممكن أن تُستغل ويتم التجريح بها، على سبيل المثال: محاولة الانتصار على شخص أنا أعرف أنه لا يستطيع أن يدافع عن نفسه لأنه إذا دافع عن نفسه سيفشي سرًا، هو نوع من الجروح السيئة لأن فيها استغلال لعجز الأخر، أيضًا استغلال أن شخص مكانته أو أخلاقه أو إيمانه لا يسمح له بالرد هو جرح باستغلال العجز.
فلا يجب على المؤمنين أن يجرحوا الأخرين باستغلال عجزهم الجسدي أو باستغلال وضعهم الروحي أو الأخلاقي لأن هذا أسوأ نوع من الجروح. فلنكن كسيدنا الذي لم يجرح أحد يومًا باستغلال ضعفه، فهو لم يستغل فضيحة المرأة التي أُمسكت في ذات الفعل، ولا استغل إنكار بطرس، ولا شك توما، ولا ضعف أي إنسان مهما كان، بل كان الملجأ للجميع.