جروح الأم
في هذا الشهر نحتفل بعيد الأم تقديرًا لدورها العظيم في حياة أسرتها. وقد كنت دائمًا من المدافعين عن فكرة الأحتفال بعيد الأسرة لا عيد الأم وحدها وذلك تقديرًا لدور الأب أيضًا الذي لم نسمع عن عيد له فيه يقدم الأبناء هدياهم وإكرامهم كما له كالأم. إلا أننا لا نستطيع أن ننكر أن الأم بصفة خاصة ولارتباطها بابناءها فهي صاحبة النصيب الأكبر من الجروح في مسيرة حياة أبناءها أكثر من الأب الذي جعل الله عمله يشغله بعض الشيء عن الأسرة، كما أن تكوينه النفسي والعاطفي يجعله أقل إندماجًا في حياة أبناءه أو أقل تأثرًا بما يمرون به.
وعندما يكون الأبناء في صغرهم إذا جُرح أحد الأبناء فإن أول من يصرخ لجرحه هي الأم، وعندما يكبر الأبناء ويحاولون الاستقلال يكون أول المجروحين لذلك هي الأم، وعندما يفترق الأبناء إلى حياتهم الخاصة فأول من يشعر بجرح هذا البعد هي الأم. بل عندما ينحرف الأبناء قليلاً عمما تربوا عليه يكون أول من يشعر بالقلق أو بفشل التربية هي الأم ويُجرح هي الأم. وعندما يتأذى الأبناء بسبب أخطاءهم أول من يُجرح لآذيتهم هي الأم.
ولنا في الكتاب المقدس مثال عظيم لجرح أم قيل لها بروح النبوة على فم سمعان الشيخ في الهيكل: "وأنت أيضًا يجوز في نفسك سيف......" (لو2:35) فنرى الأم العذراء مريم بسبب خدمة إبنها سيجوز سيف الألم نفسها وستُجرح جرح لا يوصف، وذلك حدث فعلاً عندما رأت أبنها معلقًا على صليب العار كأي لص أو مجرم مجروحًا بل مسحوقًا.
فالأم لا تنفصل عن الجروح الجسدية أو النفسية لأبناءها بل حتى الجروح الناتجة عن عملهم أو دورهم وخدمتهم حتى عندما يكبرون، فهي لا تستطيع أن تنفصل عن جروحهم فتنجرح معهم. لذلك أنا أرى أن جروح الأم عظيمة جدًا حتى أنها تستحق بالفعل أن تُكرم خصيصًا لأجل جروحها.
فلنحتفل في هذا الشهر بعيد الأم المجروحة لأجل أبناءها، ولنتذكر أيضًا أمهات مجروحات في مصر هن أولى بالتقدير مثل أمهات شهداء الوطن الذين لن يستقبلوا هدايا وقبلات أبناءهن في هذا العيد، وأيضًا أمهات الأطفال المسجونين على ذمة قضية إزدراء الأديان والذين ستحول القضبان دون تقديم هؤلاء الأطفال هدياهم أو حتى قبلاتهم لأمهاتهم.