التوبة شرط التحرر من الجارح
في سفر القضاة أحد أسفار العهد القديم التاريخية التي تسرد جزء من تاريخ اليهود من بعد يشوع خليفة موسى النبي وحتى صموئيل النبي نجد أن الشعب يخطأ إلى إلهه ويتجه لعبادة الأوثان وكسر وصايا الرب وجرح هذا الإله الآمين الذي حقق وعده لهم وأخرجهم من أرض العبودية في مصر وأسكنهم أرض كنعان كميراث لهم. وكنتيجة لخطايا هذا الشعب كان الله يؤدبهم كما أنذرهم سابقًا مرارًا وتكرارًا بأنه سيرسل ضدهم الأعداء المتربصين بهم ليجرحوهم ويذلوهم " وَإِذَا تَرَكْتُمُ الرَّبَّ وَعَبَدْتُمْ آلِهَةً غَرِيبَةً يَرْجِعُ فَيُسِيءُ إِلَيْكُمْ وَيُفْنِيكُمْ بَعْدَ أَنْ أَحْسَنَ إِلَيْكُمْ»." (يش24: 20). ولكن للأسف الشعب لم يتضع ويتوب ويتراجع عن خيانته للرب " وَفَعَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ وَعَبَدُوا الْبَعْلِيمَ وَتَرَكُوا الرَّبَّ إِلَهَ آبَائِهِمِ الَّذِي أَخْرَجَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ وَسَارُوا وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى مِنْ آلِهَةِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ حَوْلَهُمْ, وَسَجَدُوا لَهَا وَأَغَاظُوا الرَّبَّ." (قض2: 11، 12)، فكان ما أنذر الرب به. واجه الشعب أعداء وجارحين (مستعمرين) أقوى منه كان الرب فقط هو المانع لهم من الأقتراب لشعبه، فابتدأوا يغتصبون أرضه ويأخذون خيره ويجرحون كرامته وينتهكون حرماته الدينية والإنسانية " فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى إِسْرَائِيلَ, فَدَفَعَهُمْ بِأَيْدِي نَاهِبِينَ نَهَبُوهُمْ, وَبَاعَهُمْ بِيَدِ أَعْدَائِهِمْ حَوْلَهُمْ, وَلَمْ يَقْدِرُوا بَعْدُ عَلَى الْوُقُوفِ أَمَامَ أَعْدَائِهِمْ. حَيْثُمَا خَرَجُوا كَانَتْ يَدُ الرَّبِّ عَلَيْهِمْ لِلشَّرِّ كَمَا تَكَلَّمَ الرَّبُّ وَكَمَا أَقْسَمَ الرَّبُّ لَهُمْ. فَضَاقَ بِهِمُ الأَمْرُ جِدّاً." (قض2: 14، 15) ، .
لقد كانوا هؤلاء الجارحين كالجراد الذي لا يترك شىء وراءه ويأكل الأخضر واليابس. ولكن للأسف ظل الشعب المجروح من أعدائه سنوات تحت عبودية كل عدو يحاولون أن يتخلصوا منه ويتحرروا بكل الطرق ما عدا الطريقة التي حددها الرب لهم ... وهي ... التــــــــــــــوبة. فالتوبة هي الطريق الوحيد الذي وعد به الرب شعبه ليحرك ذراعه وينقذهم من الأعداء الجارحين. المشكلة هي في تعدد المحاولات من الشعب للتحرر بالحرب وإبرام الاتفقيات وغيره بدون التوبة مما يزيد المدة ومعها تعدد الجروح وتعدد الجارحين وزيادة ثقل يدهم.
فالله لم ولن يتفاوض على طريق آخر لخلاص شعبه من الجارحين غير التوبة والتوبة الحقيقية التي تبدأ بالندم والتبكيت والتوبة ثم ويتلوها إتخاذ قرارات واضحة وتنفيذها للتحرك تجاه الرجوع عن كل ماهو كسر لوصايا الرب كل ما يسىء لله، بعدها تتحرك ذراع الرب بطرق عجيبة ومتنوعة ، لكن كلها تؤدي إلى نتيجة واحدة وهي تحرير شعبه من جارحيهم ".... فَتَضَايَقَ إِسْرَائِيلُ جِدّاً. فَصَرَخَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى الرَّبِّ: « أَخْطَأْنَا إِلَيْكَ لأَنَّنَا تَرَكْنَا إِلَهَنَا وَعَبَدْنَا الْبَعْلِيمَ»." (قض10: 9، 10).
كثيرًا ما يحدث هذا مع شعب الرب ومع كنيسته في هذه الأيام، فنرى أنفسنا نواجه جارحين يسمح الرب لهم أن يجرحوا شعبه، إن كانوا رؤساء أو حكومات أو ظروف تضغط على شعب الرب وكنيسته، أو حتى داخل الكنيسة المحلية من أشرار ومشاغبين يؤذون شعب الرب ويقسمونه، ويعلن الله لشعبه ويحذرهم بأن خطاياهم هي السبب. ثم يصرخ الشعب بسبب الجارح والجروح للرب ولكن بدون أن يقبلوا أن يعترفوا أن خطاياهم وضعفاتهم هي السبب، وبدون أن يتوبوا توبة حقيقية أمامه وبدون رجوع عن طرقهم الردية، بل السىء أنهم يحاولون استخدام طرق متعددة للتحرر بعيدًا عن التوبة.
فهل نتوقف عن طرقنا ومحاولاتنا للتحرر من الجارح ونقبل الطريق الوحيد الذي يقبله الله للحرية من الجارح وهو التوبة؟ هذه دعوة لكل شعب الله المجروحين في مصر وهي أيضًا دعوة لكل كنيسة محلية تصرخ من الجارحين.