أحد الكُتّاب كتب هذا الأسبوع مقالاً حول علاقة الدولة بالمسيحيين، وذكر في مقاله كيف تضغط الدولة على المسيحيين بواسطة اطلاق يد السلفيين عليهم، ونتاج ما يفعله السلفيون (الذبح) في المسيحيين، يقبل المسيحيون ما تفعله الدولة من (جروح) فيهم بنفس راضية. فخلاصة ما أراد أن يقوله هذا الكاتب هو: كيف تستخدم طريقة بها يرى المجروح في جُرحه منك، أمرًا أهون من ذبحه على يد الآخرين، فيقبله راضيًا؟. وبالطبع سيتقبل المجروح الجرح شاكرًا الجارح.
وهذه الفكرة حقيقية، ليس في علاقة الدولة بالمسيحيين فقط كما تناولها هذا الكاتب، بل في تعاملات كثيرة تحدث بيننا وحولنا، على نطاق التعاملات البشرية، أو حتى على النطاق الروحي. فأحيانًا يقوم الجارح لا بالرجوع عن خطأه والتوبة، بل يهدد المجروح ويضغط عليه بطرق كثيرة (المساومة أو الاستغلال أو التهديد بمصير أسوأ مع جارح أخر) حتى يقبل الجروح منه وإلا سيتعرض للذبح.
وهذا النوع من الجارحين مبتسم دائمًا، يظهر بصورة الودود، يجرح بهدوء، ويضغط بخفة، حتى أن المجروح يتقبل الجرح وكأنه مغيب تحت البنج، فيقبل الجرح من يد جارحه وكأنه هو الذي سينقذه من أمر أصعب وأشد....يالها من تراجديا ومأساة.... أن يصبح الجارح هو نفسه رجاء المجروح.
المشكلة العظمى ليس فيما يتفكر فيه من يريد جرحنا أو من يريد ذبحنا، فالأثنين هذا منهجهما..الآذية، ولكن المشكلة في الشخص نفسه الذي يُخرج الله (الحافظ ...والمعين) من المعادلة، ويلقي نفسه في حضن الجارح هربًا من الذابح.
مثال على ذلك داود الممسوح ملكًا على اسرائيل بدلاً من شاول المرفوض من الله. فقد رأى داود في العبودية الجارحة لأخيش ملك جت (مدينة فلسطينية عدوة لشعب اسرائيل أيام شاول الملك) حالة أفضل من ذبح شاول له فهرب إلى أخيش (هذه إهانة.. أنه يكون هو الملك الممسوح من الله لاسرائيل، ويصير عبدًا لملك وثني، وأن يستخدمه أخيش ضد شعب إسرائيل). ونسى داود أن شاول لم يستطع أن يؤذيه سابقًا، ليس لقوة داود بل لأمانة الرب وحفظه له.
"وَقَالَ دَاوُدُ فِي قَلْبِهِ: « إِنِّي سَأَهْلِكُ يَوْماً بِيَدِ شَاوُلَ, فَلاَ شَيْءَ خَيْرٌ لِي مِنْ أَنْ أُفْلِتَ إِلَى أَرْضِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ فَيَيْأَسُ شَاوُلُ مِنِّي فَلاَ يُفَتِّشُ عَلَيَّ بَعْدُ فِي جَمِيعِ تُخُومِ إِسْرَائِيلَ, فَأَنْجُو مِنْ يَدِهِ». فَقَامَ دَاوُدُ وَعَبَرَ هُوَ وَالسِّتُّ مِئَةِ الرَّجُلِ الَّذِينَ مَعَهُ إِلَى أَخِيشَ بْنِ مَعُوكَ مَلِكِ جَتٍّ ......./ فَصَدَّقَ أَخِيشُ دَاوُدَ قَائِلاً «: قَدْ صَارَ مَكْرُوهاً لَدَى شَعْبِهِ إِسْرَائِيلَ, فَيَكُونُ لِي عَبْداً إِلَى الأَبَدِ." (1صموئيل 27: 1، 2، 12)
فداود أعتبر أن جرح أخيش أفضل من ذبح شاول له، وأخيش يرى في ذلك فرصة لاستعباد داود القوي له للأبد، فكلما حسب داود المعادلة بدون الله، وشعر أن جراح أخيش أفضل من ذبح شاول، كلما طالت عبودية داود لأخيش.
هذا يذكرني ببعض أطفال الشوارع الذين يهربون من بيوتهم إلى عصابات الشوارع بعد سقوطهم في خطأ ما معتقدين أن أبويهم سيذبحونهم، ولذا يقبلون بجرح الشارع خوفًا من الذبح، وأحيانًا تستخدم العصابات معهم هذا المنطق لجذبهم، فيقنعون الطفل أن أبويك سيذبحونك لذا فالجروح معنا أهون.
أو شخص مديون بمبلغ كبير وخوفًا من ذبح الفضيحة يضطر أن يقبل جرح الأقتراض بالربا أو السرقة، والنتيجة أنه لم يستطع التسديد فسجن.
فيا من تعتقد أن الله خارج المعادلة، وخوفًا من الذبح تقبل الجروح...تذكر أن الله ناصرك.
ويا من تعتقد أن الله خارج المعادلة فتجازي الشر بالشر لئلا يذبحك الآخرون... تذكر أن الله حاميك.
فلنتذكر أن الله في المعادلة، ولنرفض خدعة قبول الجروح خشية الذبح، فنحن لا يجب أن نقبل الذبح ولا الجروح .... بل أن نثق في الله وأن نسلك كما يحق لنا كأبناء لله.