#ff0000]]بلاد بلا جروح[/size]
سمح الرب لي بنعمته أن أقوم بزيارة خمسة ولايات بامريكا وأيضًا لندن عاصمة انجلترا خلال هذا الشهر، ورغم التباين بين البلدين فيما يخص التاريخ والعراقة إلا أنهما يشتركان في مواصفات البلاد المتقدمة والتي أعتقد أن هناك فجوة بينهم وبين بلادنا التي من بلاد العالم الثالث أكثر من خمسة قرون من الثقافة والعلم والتقدم. حتى أنني جاوبت مداعبًا أحد من سألني عن امريكا بأنني: "مرضت من النظافة وعيوني تألمت من اللون الأخضر في كل مكان". ومن خبرات هذه الزيارة خبرة أن أجمل ما في هذه البلاد من وجهة نظري هو "الإنسان الحقيقي".
فقد سؤلت عدة مرات من الامريكان عن أكثر ما أعجبني في بلادهم فجاوبت: "الإنسان" فلقد أعجبني الإنسان أكثر من التقدم والتكنولوجيا والرفاهية. وما أقصده بالإنسان الحقيقي أي الإنسان الذي تظهر إنسانيته في كل شىء، الإنسان الذي يوقف سيارته لمرور أي شخص من أمامه وينتظره حتى يعبر الطريق براحته، الإنسان الذي يوقف المرور في كل الاتجاهات لمرور بطة واولادها ورائها بالشارع، الإنسان الذي يمنع صيد سمك أو غزلان أو ارانب بطريقة جائرها، فكل شيء بقانون وبشروط للحفاظ على الحيوانات، الإنسان الذي يعامل كلبه أو قطته بكل عطف وكأنه أحد افراد العائلة. المؤسسات الخيرية الكنسية التي تحاول أن تساعد الفقراء بالطعام واللباس واحيانًا بمكان للنوم.
والحقيقة يجب أن نعرف أن سر تقدم هذه البلاد هو أعتمادها حتى في دستورها على كلمة الله، فما زال أثار كلمة الله عليهم في نواحي الحياة، الجميع متأثر بها حتى الأشرار والملحدين واللادينيين. وكما يقول الكتاب: "البر يرفع شأن الأمة وعار الشعوب الخطية" (أم14: 34) فآثر كلمة الله واضح في احتفاظهم بالإنسانية وبالمبادىء المسيحية حتى وإن أنكر الشخص المسيح كمخلص وسيد.
لكن من يظن أن هذه البلاد بلا دموع يكون واهم، فهناك من يظن أن هذه البلاد خالية من الجروح لمجرد وجود الرافهية والمستوى المادي المرتفع. فهل بالفعل امريكا أو اوربا بلاد الحالة الكاملة؟ الحقيقة اذا نظرنا نظرة محايدة فسنرى في هذه البلاد كثير من الجروح وكثير من المجروحين. فالبلاد بها الذين يعيشون بلا مأوى من ساكنى الشوارع والأزقة الذين سقطوا نتيجة الآزمات المالية التي لا ترحم هناك، فالبنوك جاهزة للأنقضاض عليك إذا لم تفي بالتزاماتك المالية، أو أطفال الشوارع الذين لا يعرفون أهلهم، أو الأشخاص الذين يشعرون بالوحدة لعدم سؤال أحد عليهم بسبب أنشغالات الجميع بين تروس الحياة الطاحنة فالاولاد ينفصلون مبكرًا عن عائلاتهم وينشغلون عنهم بحياتهم الخاصة، المرضي، فقد زرت أحد المرضى المقعدين في الفراش بسبب ضمور عضلاته لمدة سنوات عدة، والعدد الكبير من مرضى الزهايمر.....إلخ
حتى المؤمنين هناك يتعرضون للجروح فكثير من الكنائس أغلقت والكثير أيضًا شبه مغلقة لعدم ذهاب أحد للكنيسة بسبب جاذبية العالم التي أثرت على الكثيرين، كما أن الإنحدار الأخلاقي للبلد يجرح المؤمنين عندما يجد بلاده تشرع للشاذين والمتحولين جنسيًا وأنتشار الهرطقات والعقائد الغريبة.
فامريكا أو لندن أو أي بلد من البلاد المتقدمة تقود المؤمن لنتيجة واحدة الا وهي أن الأرض هي الأرض والعالم هو العالم، وليس هناك رجاء للخليقة وللمؤمنين غير مجيء الرب ليأخذنا للسماء، هناك بالفعل الحياة الكاملة التي سنحياها بدون جروح، فلن نرى في السماء أي مجروح لأي سبب لأن الرب ملكها وهي مدينة البر.
" وَسَمِعْتُ صَوْتاً عَظِيماً مِنَ السَّمَاءِ قَائِلاً: «هُوَذَا مَسْكَنُ اللهِ مَعَ النَّاسِ، وَهُوَ سَيَسْكُنُ مَعَهُمْ، وَهُمْ يَكُونُونَ لَهُ شَعْباً. وَاللهُ نَفْسُهُ يَكُونُ مَعَهُمْ إِلَهاً لَهُمْ. وَسَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ، وَالْمَوْتُ لاَ يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ، وَلاَ يَكُونُ حُزْنٌ وَلاَ صُرَاخٌ وَلاَ وَجَعٌ فِي مَا بَعْدُ، لأَنَّ الأُمُورَ الأُولَى قَدْ مَضَتْ»" (رؤ 21: 3، 4)