جروح الغربة
هل تشعر بجروح الغربة والحنين للوطن؟
هذا الشهر أُقيمت إحتفالية اقامها الفنان محمد صبحي في برنامجه "مافيش مشكلة" عن سوريا والسوريين المقيمين بمصر. وبالرغم أن كثير من السوريين نجحوا واستقروا في مصر، ورغم أن جموع المصريين اظهروا لهم كل الود والمحبة إلا أن كل السوريين اظهروا شعورهم بالآم وجراح الغربة عن أرض وطنهم الأصلي واشتياقهم للعودة لاحضانه بغض النظر عما وصلوا إليه في مصر.
فمن حياة السوريين المتغربين في مصر ندرك أن الشخص مهما كانت روعة غربته وحلاوة الأرض التي يحيا فيها مجبرًا فجرح الغربة أعظم بكثير من أي متعة، واسألوا المصريين الذين يعيشون في امريكا أو اوربا، فرغم حياة الرفاهية والتمدن التي يعيشونها هناك إلا أنهم عندما يتذكرون وطنهم الأصلي "مصر" يشعرون بجرح غربتهم عنها ويتمنون الرجوع لذلك الوطن.
ونحن كمؤمنين مهما كانت الحياة التي نعيشها في هذا العالم جميلة وممتعة إلا أن في داخلنا جرح اغترابنا عن وطنا الحقيقي وهو "السماء". وهذا حال كل المؤمنين في كل العصور كما يشهد كاتب العبرانيين عن إبراهيم أبو المؤمنين وجموع المؤمنين الحقيقيين "بِالإِيمَانِ تَغَرَّبَ فِي أَرْضِ الْمَوْعِدِ كَأَنَّهَا غَرِيبَةٌ، سَاكِناً فِي خِيَامٍ مَعَ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ الْوَارِثَيْنِ مَعَهُ لِهَذَا الْمَوْعِدِ عَيْنِهِ. 10 لأَنَّهُ كَانَ يَنْتَظِرُ الْمَدِينَةَ الَّتِي لَهَا الأَسَاسَاتُ، الَّتِي صَانِعُهَا وَبَارِئُهَا اللهُ. 11 ......وَأَقَرُّوا بِأَنَّهُمْ غُرَبَاءُ وَنُزَلاَءُ عَلَى الأَرْضِ. 14 فَإِنَّ الَّذِينَ يَقُولُونَ مِثْلَ هَذَا يُظْهِرُونَ أَنَّهُمْ يَطْلُبُونَ وَطَناً. 15 فَلَوْ ذَكَرُوا ذَلِكَ الَّذِي خَرَجُوا مِنْهُ، لَكَانَ لَهُمْ فُرْصَةٌ لِلرُّجُوعِ. 16 وَلَكِنِ الآنَ يَبْتَغُونَ وَطَناً أَفْضَلَ، أَيْ سَمَاوِيّاً. لِذَلِكَ لاَ يَسْتَحِي بِهِمِ اللهُ أَنْ يُدْعَى إِلَهَهُمْ، لأَنَّهُ أَعَدَّ لَهُمْ مَدِينَةً. (عب 11: 9- 16)
مثالاً لهذا أيضًا يعقوب أبو الأسباط والذي وصف حياته في الأرض لفرعون بهذا الوصف "سنين غربتي". قَالَ فِرْعَوْنُ لِيَعْقُوبَ: «كَمْ هِيَ ايَّامُ سِنِي حَيَاتِكَ؟» 9 فَقَالَ يَعْقُوبُ لِفِرْعَوْنَ: «ايَّامُ سِنِي غُرْبَتِي مِئَةٌ وَثَلاثُونَ سَنَةً. قَلِيلَةً وَرَدِيَّةً كَانَتْ ايَّامُ سِنِي حَيَاتِي وَلَمْ تَبْلُغْ الَى ايَّامِ سِنِي حَيَاةِ ابَائِي فِي ايَّامِ غُرْبَتِهِمْ وَبَارَكَ يَعْقُوبُ فِرْعَوْنَ وَخَرَجَ مِنْ لَدُنْ فِرْعَوْنَ. (تك47: 8، 9)
فالعالم ببهجته والدنيا "الأرض" بروعتها لا تضاهي العُليا "السماء" حيث الحبيب والمخلص ربنا يسوع المسيح. فما رأيكم في شخص سوري على سبيل المثال مع سكناه في مصر وارتباطتاته المادية والعائلية والاجتماعية ينسى وطنه الأصلي ثم تنتهي مشكلة سورية ويأتي وقت الرحيل فيرفض ويتمسك بأرض غربته ليعيش طوال حياته غريبًا بدون أي اشتياق لوطنه وبدون أي تجاوب عن أخبارها.. بالطبع سننظر له على أنه شخص فاقد للهوية، شخص يريد أن يعيش طوال عمره غريب.
فهناك اشخاص يتمسكون بهذا العالم ويجدون سرورهم فيه ولا يدركون أنهم في النهاية نزلاء وغرباء وسيظلوا فيه غرباء ونزلاء. فلنتذكر لوط الذي تغرب في سدوم وعمورة، الصورة الأبشع للعالم الذي ليس فيه إلا شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة، ومع ذلك ومع كل اسهاماته لهم ولبلدهم وانخراطه في وسطهم، فقد ظل غريبًا في أعينهم. "ثُمَّ قَالُوا «: جَاءَ هَذَا الانْسَانُ لِيَتَغَرَّبَ وَهُوَ يَحْكُمُ حُكْما. الْانَ نَفْعَلُ بِكَ شَرّا اكْثَرَ مِنْهُمَا" (تك19: 9)
عزيزتي المؤمنة ....عزيزي المؤمن هل تشعر بتآلف مع غربتك .. مع العالم؟! تذكر أنك بالنسبة له ستظل غريباً. أم تشعر بجرح الغربة عن موطنك وتشتاق لنهاية هذه الغربة لتصل إلى شط موطنك السماوي ويكون في استقبالك ربك ومخلصك يسوع المسيح بالعيان مرحبًا بك لينسيك جروح سني غربتك لتبدأ حياتك الحقيقة في موطنك الأصلي.
فهل تتطلع وترى أرضك .. وهل ترى مخلصك من بعيد؟!