جروح الاهمال
ابتدأ موسم الشتاء في مصر وبالطبع المناطق الساحلية كان لها نصيب الأسد في الأمطار والتي أتت بكل قوتها وكأنها تريد أن تضع المسئولين عن هذه المناطق من محافظين ورؤساء أحياء ومديرين الصرف الصحي في أختبار، ولكن للأسف وكما رأينا كلنا أن كل المسئولين بدون استثناء سقطوا في الاختبار بتقدير إمتياز مع المرتبة التي عامت في الماء من داخل بيوت الفقراء. هذا الاختبار أظهر أهمال أقل ما يوصف أنه جُرم عظيم أصبح عقيدة ثابتة في داخل المسئولين لا يتخلون عنها مهما صرخ الضمير أو دعاة الاخلاق والامانة.
هذه المشكلة أو الأزمة لم يتأثر بها كثير من الأغنياء ولكن تأثر بها بصفة خاصة الفقراء، فهم الذين كانوا ضحية هذا الاهمال الجسيم، فمنازلهم دُمرت واثاثها تلف وممتلكاتهم ذهبت إلى المجاري، والكهرباء قتلت الأطفال وتسببت في أصابة الكثيرين بجراح، وهذه الجراح في الحقيقة ليست جراح الكهرباء أو الماء بل جراح الأهمال.
الأهمال آفة كبيرة مخاطرة عظيمة في أي مجال مادي أو روحي، ففي كل مجال مهما كان حتى إذا كان الصرف الصحي للمطر قد يؤدي إلى كارثة هائلة. اهمل احد الاشخاص عندما دخل مسمار قديم في قدمه والنتيجة كانت موت هذا الشخص بالتيتانوس، لكن الحقيقة أن هذا الشخص لم يمت من المسمار أو التيتانوس بل مات من الاهمال.
فاهمال الجراح أو الطبيب يقود لعاهة أو لموت. واهمال المهندس يقود للانهيار وللدمار. واهمال الإنسان لحياته الأبدية يقود للهلاك في الجحيم، وأهمال المؤمن لحياته الروحية يقود للضعف والوهن والهزيمة وعثرة الآخرين، وأهمال الراعي يقود لضلال الرعية وتحولهم إلى أعمال الجسد.....إلخ
فاهمال عمال الصرف الصحي البلاعة الصغيرة الخاصة بالمطر تسبب في جراح لا تندمل للفقراء الذين تهدمت بيوتهم أو خسروا ممتلاكاتهم أو قُتل ابناءهم جراء الماس الكهربائي، فالعامل عندما اهمل لم يكن يدور في مخيلته حجم الخسائر والجراح التي سيسببها والمسئول الذي اهمل هو أيضًا لم يكن يتصور ابداً الجراح التي ستنتج من اهمال.
اهمال الزوج لزوجته أو العكس واهمال الوالدين لابناءهم واهمال الخدام لرعيتهم واهمال المؤمن لشركته مع الله من المؤكد أنه سيؤدي إلى جراح أعظم بكثير من اهمال بلاعة صرف مطر، لأنه يجرح جروح يصعب علاجها. فهذه دعوة لاكتشاف الاهمال الذي في حياتنا نحو الله أو أنفسنا أو الاخرين والرجوع عنه ومعالجة الجروح التي نتجت عن هذا الاهمال. ولننتبه لتحذير الكتاب المقدس: " فَكَيْفَ نَنْجُو نَحْنُ إِنْ أَهْمَلْنَا خَلاَصاً هَذَا مِقْدَارُهُ، قَدِ ابْتَدَأَ الرَّبُّ بِالتَّكَلُّمِ بِهِ، ثُمَّ تَثَبَّتَ لَنَا مِنَ الَّذِينَ سَمِعُوا،" (عب2: 3)
فنستطيع أن نضع خلاصة أن: "مستعظم الجروح من مستصغر الاهمال"